صلاتنا لُغة الحُبّ
في عمق كل منّا حاجة قوية وملحة للاتصال بكائن اقوى منا ويتعدى حدودنا ..... يسوع معلم الحبّ الالهي والانساني شعر بهذه الحاجة ....فكانت له وقفات تامل وصلاة واختلاء مع ابيه ..... شعر التلاميذ بتلك الحاجة فطلبوا من معلمهم يسوع ان يعلمهم الصلاة . فكانت صلاة الابانا وما اروعها من صلاة وهي كاشفة عن ابوة الله لنا.
الصلاة علاقة حبّ مع الله. وللحبّ لغة يُعبر بها الحبّ وصلاتنا هي ( لغة الحبّ) التي نتحدث بها مع الله ونعبر له عن حبنّا .
ما اجمل ان يبدأ إنساننا يومه بالصلاة ( صلاة الشكر والثقة والمجد والاستسلام بيد الله تعالى ) والاجمل ان ينهي يومه بصلاة شكر ايضًا وقبل ان ينام بين يدي الله يراجع ذاته ويفحض ضميره فيعزز الايجابيات وليسعى جاهدا لتجاوز السيئات ، ثم يصلي قائلا: يا رب بين يديك استودع روحي .
_الصلاة وقفة تأمّل في عالم لا يعرف السكون . واذيع علنا : من لا يعرف ان يقف ويتامل ويصلي .... لا يعرف النمو والتقدم الروحي....
في ر ياضة روحية اسطحبت بها معلمي ومعلمات التعليم المسيحي الى دير الابطار في حُمْض … وبينما كان الجميع غارقًا في النوم …في اجواء ليلة قارصة البرد وحالكة السواد وفي داخلي حاجة قوية للصلاة ، نزلت إلى معبد الدير (chapel) طالبًا الخلوة والصلاة.... فجلست لوحدي للتأمّل وسط هدوء رهيب يعجز القلم عن وصفه . فتذكرت عائلتي واعز ناسي ورعيتي و.... فحملتهم بصلاتي ..... فادركت من هذه الخبرة : إن الإنسان وان كان بمفرده فهو ليس وحيدًا لمفرده! بل انه يحمل في قلبه الكثير والكثير من الاقرباء والاحباء والاصدقاء .... فالقلب المُحبّ لا حدود له. انه قلب مصلي . فبالحبّ ينسى الإنسان ذاته . وما الصلاة سوى فعل حبّ تجاه الله وفي سبيل الاخرين.
_الصلاة لا تكتفي بتريد كلمات معسولة وطلبات وتضرعات وطقوس جامدة … بل هي موقف وسلوك حياتنا … فصلاتنا دون اعمال تبقى جوفاء.
_طائر هو بلا عش ذلك الإنسان الذي تكون حياته خالية من الهدوء والموسيقى والصلاة والتامل.
_الصلاة ليست بطول وقتها وبتريد اجمل الكلمات ؛ وبطلبات ورغبات لا تعرف النهاية والاكتفاء ؛ انما الصلاة حوار حبّ . وليس من قبيل المُغالات ان قلت: من يحبّ لا يطلب! فالمحب يعرف ما يتمناه الحبيب!
لذا أملي ان يكون الله محور علاقتنا الروحية ومحور صلاتنا وليس صلاتنا ومنافعنا .....
غالبًا ما تتحول صلاتنا وسط متاعب الحياة ومضايقات الاخرين إلى عتاب بدافع الحبّ . عتاب الإنسان وإلهه ، عتاب الابن لابيه . ووسط عتاب الحبّ هذا تشعر وكأن يد الله تلامس رأسك وتقول لك: أنا معك يا بني لم ولن أتركك.
_ عندما تسجد وتغمض العينين وتفتح الذراعيين وتقول من عمق فكرك وقلبك : يارب أرحمني انا الخاطى ستعيش فرح التواضع والتوبة والغفران . فرح داخلي يبعث فيك السلام والطمانينة . فالله لكونه أب تراه يغفر خطايانا ويحتوي معاصينا ومتفهمًا اياه بقلب ابوي ذات حبّ كبير!
_الصلاة ان تكون مثلما انت امام الله . بدون تصنع ولا تكلف ولا تمثيل . لتعترف بضعفك ومحدوديتك وخطيئتك .... صلاة تخرج من قلبك لتصب في قلب الله.
في الكثير من الاوقات لا رغبة لنا في الصلاة . فتبدو صعبة او حملاً ثقيلاً . وكأن الكلمات تقف على ابواب فمنا ..... لكنني ادعوك وادعوكِ لصلاة في مثل تلك الاوقات . فالصلاتنا انعكاسًا لذاتنا ....
لا اجمل من ان تقدم ما يجول في داخلك من هموم وافراح ومتاعب وافكار وامنيات لتضعها بين يدي الله ليرعاها ويوجهك لما فيه خير لك( اطلبوا تجدوا ....)
_ تنتظر الام بفارغ الصبر وشوق كبير تلك اللحظة التي يبدأ فيها صغيرها بالنطق . وما ان نطق لتحلق عاليًا فرحًا وسرورًا وبهجة لتحتضنه وتقبله وتشده اليها ..... هكذا هو فرح الله ابينا حينما نصلي اليه.
_الصلاة علاقة مع الله . والله يعلمنا الكثير من خلال علاقتنا معه . فهو( خير واوفى صديق ؛ لا بل حامل همومنا وكاتم اسرارنا ورفيق دربنا) وبهذا الصدد تقول القديسة تريزا الافيلية الكبيرة: "إن الصلاة حديث صداقة مع الله .... وحوار ودي مع ذلك ذلك الذي نعرف انه يحبنا ، انه حديث القلب إلى القلب".
_الصلاة تضعنا وجهًا لوجه مع يسوع ليدخل حياتنا ، لكنه لا ليكون مكتوف الايدي ، بل ليغيّرنا ويغمرنا بحبّه ويعلّمنا أن نُحبّ كما هو أحبّ. انها الصلاة التي تفتح نفوسنا نحو الرب.
_الصلاة تتطلب صمت وهدوء واختلاء وموسيقى . بمعنى ان تجلس مع ذاتك وتدخل إلى عمقك . " فاذا صليت فأدخل مخدعك واغلق بابك ....." (متى 6/6). وكذلك يقول القديس يوحنّا الذهبي الفم : " جِدوا باب قلوبكم تروا أنه الباب المؤدي لملكوت الله . فللسماء والقلب باب واحد".
_ وليكن للعذراء أمنا وشفيعتنا وقتًا لاكرامها وطلب شفاعتها … وما اروعها من أُمّ ..... انها شمعة تضيى دربنا . وكلنا قد اختبر عن كثب مواقف وخبرات وشفاعات امنا القديسة مريم.
_ الصلاة لا تعرف لغة .... وليس الصلاة طقوس وشعائر ..... بل الصلاة ان تشعر انك بحضور الله .... لذا كنت وما زلت لا ابالغ بالتقديس بلغة الطقوس التي لا يفهمها سوى الكاهن ونفر قليل من الشمامسة . فالصلاة حوار، ولا حواردون فهم واستيعاب. ويبقى الحوار عقيمًا وغير مجدي متى كان بلغة غير مفهومة ..... فيسوع صلى للتلاميذ بللغة التي كان يفهمونها ولم يتعصب للغة ما ..... فهو جاء مخلصًا للانسان ....
ليتك تخصص للصلاة مكانة في حياتك .... فهي تجعلنا اكثر انسانيين واكثر روحانيين واكثر مسيحيين فالله كله اذان صاغية ..... وهو على احر من الجمر للدخول معنا في علاقة من خلال صلاة حبّ.
من كتاب ( تأملات من حياة كاهن) للأب يوسف جزراوي
منقول من موقع باقوفا وكرملش يمي
لندا قرانا